فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)}
{الر} تقدم القول على الحروف المقطعة الواقعة في أوائل السور في أول سورة البقرة وغيرها من نظرائها وما سورة يونس ببعيد.
{كتاب أحكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}
القول في الافتتاح بقوله: {كتاب} وتنكيره مماثل لما في قوله: {كتاب أنزل إليك} في سورة [الأعراف: 2]. والمعنى: أن القرآن كتاب من عند الله فلماذا يَعجب المشركون من ذلك ويكذبون به.
ف (كتاب) مبتدأ، سوغ الابتداء ما فيه من التنكير للنوعية. و: {من لدن حكيم خبير} خبَر و: {أحكمت آياته} صفة لـ (كتاب)، ولك أن تجعل: {أحكمت آياته} صفة مخصصة، وهي مسوغ الابتداء.
ولك أن تجعل (أحكمت) هو الخبر.
وتجعل: {من لدن حكيم خبير} ظرفًا لغوًا متعلقًا بـ: {أحكمت} و: {فُصلت}.
والإحكام: إتقان الصنع، مشتق من الحِكْمة بكسر الحاء وسكون الكاف.
وهي إتقان الأشياء بحيث تكون سالمة من الأخلال التي تعرض لنوعها، أي جعلت آياته كاملة في نوع الكلام بحيث سلمت من مخالفة الواقع ومن أخلال المعنى واللفظ.
وتقدم عند قوله تعالى: {منه آيات محكمات} في أول سورة [آل عمران: 7].
وبهذا المعنى تنبئ المقابلة بقوله: {من لدن حكيم}.
وآيات القرآن: الجمل المستقلة بمعانيها المختتمة بفواصل.
وقد تقدم وجه تسمية جمل القرآن بالآيات عند قوله تعالى: {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا} في أوائل سورة [البقرة: 39]، وفي المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير.
والتفصيل: التوضيح والبيان.
وهو مشتق من الفَصل بمعنى التفريق بين الشيء وغيره بما يميزه، فصار كناية مشهورة عن البيان لما فيه من فصل المعاني.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} في سورة [الأنعام: 55].
ونظيره: الفرق، كنى به عن البيان فسمي القرآن فُرقانًا.
وعن الفصل فسمي يوم بَدر يوم الفرقان، ومنه في ذكر ليلة القدر: {فيها يُفرق كل أمر حكيم} [الدخان: 4].
و(ثُم) للتراخي في الرتبة كما هو شأنها في عطف الجمل لما في التفصيل من الاهتمام لدى النفوس لأن العقول ترتاح إلى البيان والإيضاح.
و: {من لدن حكيم خبير} أي من عند الموصوف بإبداع الصنع لحكمته، وإيضاح التبيين لقوة علمه.
والخبير: العالم بخفايا الأشياء، وكلما كثرت الأشياء كانت الإحاطة بها أعز، فالحكيم مقابل ل: {أحْكمتْ}، والخبير مقابل ل: {فُصّلتْ}.
وهما وإن كانا متعلّق العلم ومتعلّق القدرة إذ القدرة لا تجري إلا على وفق العلم، إلا أنه روعي في المقابلة الفعلُ الذي هو أثرُ إحدى الصفتين أشدُّ تبادُرًا فيه للناس من الآخر وهذا من بليغ المزاوجة.
{أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)}
(أنْ) تفسيرية لما في معنى: {أحكمت آياتُه ثُم فصلت} [هود: 1] من الدلالة على أقوال محكمة ومفصلة فكأنه قيل: أوحي إليك في هذا الكتاب أن لا تعبدوا إلا الله، فهذه الجملة تفسيرية لما أحكم من الآيات لأن النهي عن عبادة غير الله وإيجاب عبادة الله هو أصل الدين، وإليه مرجع جميع الصفات التي ثبتت لله تعالى بالدليل، وهو الذي يتفرع عنه جميع التفاصيل، ولذلك تكرر الأمر بالتوحيد والاستدلال عليه في القرآن، وأن أول آية نزلت كان فيها الأمرُ بملابسة اسم الله لأول قراءة القرآن في قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق: 1].
والخطاب في: {ألاَّ تعبدوا} وضمائر الخطاب التي بعده موجهة إلى الذين لم يؤمنوا وهم كل من يسمع هذا الكلام المأمور بإبلاغه إليهم.
وجملة: {إنني لكم منه نذير وبشير} معترضة بين جملة: {ألا تعبدوا إلا الله} [هود: 1] وجملة: {وأن استغفروا ربكم} [هود: 3] الآية، وهو اعتراض للتحذير من مخالفة النهي والتحريض على امتثاله.
ووقوع هذا الاعتراض عقب الجملة الأولى التي هي من الآيات المحكمات إشعارٌ بأن مضمونه من الآيات المحكمات وإن لم تكن الجملة تفسيرية وذلك لأن شأن الاعتراض أن يكون مناسبًا لما وقع بعده وناشئًا منه فإن مضمون البشير والنذير هو جامع عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في رسالته فهو بشير لمن آمن وأطاع، ونذير لمن أعرض وعصى، وذلك أيضًا جامع للأصول المتعلقة بالرسالة وأحوال الرسل وما أخبروا به من الغيب فاندرج في ذلك العقائد السمعية، وهذا عين الإحكام.
و(من) في قوله: {إنني لكم منه} ابتدائية، أي أني نذير وبشير لكم جائيًا من عند الله.
والجمع بين النذارة والبشارة لمقابلة ما تضمنته الجملة الأولى من طلب ترك عبادة غير الله بطريق النهي وطلب عبادة الله بطريق الاستثناء، فالنذارة ترجع إلى الجزء الأول، والبشارة ترجع إلى الجزء الثاني. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)}
اعلم أن العلماء اختلفوا في المراد بالحروف المقطعة في أوائل السور اختلافًا كثيرًا، واستقراء القرآن العظيم يرجح واحدًا من تلك الأقوال، وسنذكر الخلاف المذكور وما يرجحه القرآن منه بالاستقراء فنقول، وبالله جل وعلا نستعين:
قال بعض العلماء: هي مما استأثر الله تعالى بعلمه. كما بيناه في آل عمران وممن روي عنه هذا القول: أبو بكر، وعمر، وعثمان. وعلي، وابن مسعود- رضي الله عنهم- وعامر والشعبي، وسفيان الثورين والربيع بن خيثم، واختاره أبو حاتم بن حبان.
وقيل: هي أسماء للسور التي افتتحت بها. وممن قال هذا بهذا القول: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. ويروى ما يدل لهذا القول عن مجاهد، وقتادة، وزيد بن أسلم. قال الزمخشري في تفسيره: وعليه إطباق الأكثر. ونقل عن سيبويه أنه نص عليه. ويعتضد هذا القول بما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: {الم} السجدة، و: {هل أتى على الإنسان}.
ويدل له أيضًا قول قاتل محمد السجاد بن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما يوم الجمل، وهو شريح بن أبي أوفى العبسيز كما ذكره البخاري في صحيحه في أول سوة المؤمن:
يذكرني حاميم والرمح شاجر ** فهلا تلا حاميم قبل التقدم

وحكى ابن إسحاق أن هذا البيت للأشتر النخعي قائلًا: إنه الذي قتل محمد بن طلحة المذكور. وذكر أبو مخنف: أنه لمدلج بن كعب السعدي. ويقال كعب بن مدلج. وذكر الزبير بن بكار أن الأكثر على أن الذي قتله عصام بن مقشعر. قال المرزباني: وهو الثبت، وأنشد له البيت المذكور وقبله:
وأشعث قوام بآيات ربه ** قليل الأذى فيما ترى العين مسلم

هتكت له بالرمح جيب قميصه ** فخر صريعًا لليدين وللفم

على غير بالرمح جيب قميصه ** فخر صريعًا لليدين وللفم

على غير شيء غير أن ليس تابعًا ** عليًا ومن لا يتبع الحق يندم

يذكرني حاميم.............

البيت. اهـ من فتح الباري.
فقوله: يذكرني حاميم، بإعراب حاميم إعراب ما لا ينصرف- فيه دلالة على ما ذكرنا من أنه اسم للسورة.
وقيل: هي من اسماء الله تعالى. وممن قال بهذا: سالم بن عبد الله، والشعبي، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير، وروي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما وعنه أيضًا: أنها أقسام أقسم الله بها. وهي من أسمائه. وروي نحوه عن عكرمة.
وقيل: هي حروف، كل واحد منها من اسم من أسماءه جل وعلا. فالألف كم {الم} مثلًا: مفتاح اسم الله، والام مفاتح اسمه اللطيف، والميم: مفتح اسمه المجيد، وهكذا. ويروى هذا عن ابن عباس، وابن مسعود، وأبي العاليه. واستدل لهذا القول بأن العرب قد تطلق الحرف الواحد من الكلمة، وتريد به جميع الكلمة كقول الراجز:
قلت لها قفي فقالت لي قاف ** لا تحسبي أنا نسيبنا الإيجاف

فقوله: قاف أي وقفت. وقول الآخر:
بالخير خيرات وإن شرًا فا ** ولا أريد الشر إلا أن تا

يعني: وإن شرًا فشر، ولا أريد الشر غلا أن تشاء. فاكتفى بالفاء والتاء عن بية الكلمتين.
قال القرطبي: وفي الحديث: «من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة....». الحديث. قال سفيان: هو أن يقول في أقتل: أق إلى غير ما ذكرنا من الأقوال في فواتح السور، وهو نحو ثلاثين قولًا.
أما القول الذي يدل استقراء القرآن على رجحانه فهو: أن الحروف المقطعة ذكرت في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها. وحكى هذا القول الرازي في تفسيره عن المبرد، وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء وقطرب، ونصره الزمخشري في الكشاف.
قال ابن كثير: وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس بن تيمية، وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي، وحكاه لي ن ابن تيمية.
ووجه شهادة استقراء القرآن لهذا القول: أن السور التي افتتحت بالحوف المقطعة يذكر فيها دائماُ عقب الحروف المقطعة الانتصار للقرآن وبيان إعجازه، وأنه الحق الذي لا شك فيه.
وذكر ذلك بعدها دائماَ دليل استقرائي على أن الحروف المقطعة قصد بها إظهار إعجاز القرآن، وأنه حق.
قال تعالى في البقرة: {الم} [البقرة: 1] وأتبع ذلك بقوله: {ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] وقال في آل عمران: {الم} [آل عمران: 1] وأتبع ذلك بقوله: {الله لا إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم نَزَّلَ عَلَيْكَ الكتاب بالحق} [آل عمران: 2-3] الآية. وقال في الأعراف: {المص} ثم قال: {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْك} الآية. وقال في سورة يونس: {الر} ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم} [يونس: 1] وقال في هذه السورة الكريمة الي نحن بصددها- أعني سورة هود: {الر} ثم قال: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير} [هود: 1]، وقال في يوسف: {الر} ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين} [يوسف: 1]: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا} [يوسف: 2] الآية. وقال في الرعد: {المر} ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب والذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الحق} [الرعد: 1]، وقال في سورة إبراهيم: {الر} ثم قال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور} [إبراهيم: 1] الآية. وقال في الحجر: {الر} ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ} [الحجر: 1] وقال في سورة طه: {طه} [طه: 1] ثم قال: {مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى} [طه: 2] وقال في الشعراء: {طسم} [الشعراء: 1] ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَك} [الشعراء: 2-3] الآية. وقال في النمل: {طس} ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ القرآن وَكِتَابٍ مُّبِين} [النمل: 1] وقال في القصص: {طسم} [القصص: 1] ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين} [القصص: 2]: {نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ موسى وَفِرْعَوْن} [القصص: 3] الآية. وقال في لقمان: {الم} [لقمان: 1] ثم قال: {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم} [لقمان: 2]: {هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِين} [لقمان: 3] وقال في السجدة: {الم} [السجدة: 1] ثم قال: {تَنزِيلُ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العالمين} [السجدة: 2] وقال في يس: {يس} [يس: 1] ثم قال: {والقرآن الحكيم} [يس: 2] الآية وقال في ص: {ص} ثم قال: {والقرآن ذِي الذكر} [ص: 1] الآية وقال في سورة المؤمن: {حم} [المؤمن: 1] ثم قال: {تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز العليم} [المؤمن: 2] الآية. وقال في فصلت: {حم} [فصلت: 1] ثم قال: {تَنزِيلٌ مِّنَ الرحمن الرحيم كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 2-3] الآية وقال في الزخرف: {حم} [الزخرف: 1] ثم قال: {والكتاب المبين إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 2-3] الآية وقال في الدخان: {حم} [الدخان: 1] ثم قال: {والكتاب المبين إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} [الدخان: 2-3] الآية وقال في الجاثية: {حم} [الجاثية: 1] ثم قال: {تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم إِنَّ فِي السماوات والأرض لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِين} [الجاثية: 2-3] وقال في الأحقاف: {حم} [الأحقاف: 1] ثم قال: {تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم مَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق} [الأحقاف: 2-3] الآية. وقال في سورة ق: {ق} ثم قال: {والقرآن المجيد} [ق: 1] الآية.